منذ أشهر طويلة لم تتوقف الصدامات بين كل من هيئة "تحرير الشام"، التي تعتبر جبهة "تحرير الشام" أو جبهة "النصرة" سابقاً عمودها الفقري، وحركة تحرير "الشام"، لا سيما بعد أن عملت الأولى على جذب الفصائل المنضوية في الأخيرة ضمن صفوفها، وكان آخرها ما حصل قبل أيام في محافظة أدلب، على خلفية مقتل شخصين في جبل الزاوية، اتهمت "الهيئة" فصيل "صقور الشام" المنحل في الحركة، بالمسؤولية عن قتلهما، إضافة إلى مشاكل أخرى أبرزها ملف الكهرباء.
وعلى الرغم من إتفاق الجانبين على التهدئة الإعلامية بإنتظار الوصول إلى إتفاق شامل بين الجانبين، يبدو أن الأمور مرشحة إلى المزيد من التصعيد بين الجانبين، بسبب المخاوف التي لدى الجبهة من عملية عسكرية تقوم بها الحكومة التركية في المرحلة المقبلة، بالتنسيق مع الفصائل المعارضة التي تدور في فلكها، لا سيما "أحرار الشام"، التي كانت قد أقدمت في الفترة الأخيرة على العديد من التحولات التي تقربها من القوى التي تصنف "معتدلة".
في هذا السياق، توضح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن الأزمة بين الجانبين لا تتوقف على بعض الخلافات الجانبية التي تخرج إلى النور بين الحين والآخر، بل يمكن القول أنها باتت بين الحليفين السابقين "إستراتيجية" إلى حد بعيد، لا سيما أنها تأتي في وقت بات على كل فريق إختيار الطريق الذي سيسلكه في الأزمة المشتعلة من العام 2011، وتشير إلى أن "أحرار الشام" قررت على ما يبدو الذهاب بعيداً في خطوات حجز مكان لها في اللعبة السياسية، أي الإنخراط في الحل السياسي الذي ترعاه العديد من القوى الإقليمية والدولية، في حين أن "تحرير الشام" لا تملك ترف الإختيار بأي شكل من الأشكال، نظراً إلى الإصرار على تصنيفها منظمة إرهابية من قبل اللاعبين الفاعلين.
وإنطلاقاً من سعي الحكومة التركية إلى توسيع رقعة نفوذها في الشمال السوري ضمن إتفاق مناطق تخفيف التصعيد في مؤتمر الآستانة مع روسيا وإيران، توضح المصادر نفسها أن أنقرة تضع أدلب على رأس قائمة أولوياتها بالنسبة إلى المناطق
التي ستسعى إلى السيطرة عليها، الأمر الذي سيدفعها إلى الصدام مع الهيئة في نهاية المطاف، التي ترفض بشكل مطلق دخول أنقرة إلى المحافظة التي باتت مركزاً أساسياً لكل قوى المعارضة التي خرجت من مناطق أخرى نتجية المعارك أو التسويات مع الحكومة السورية، وتشير إلى أن "تحرير الشام" كانت قد أخذت جميع الإحتياطات اللازمة على هذا الصعيد، لا بل ذهبت إلى حد التهديد بالدخول في مواجهة مفتوحة مع أنقرة، الأمر الذي ترفضه "أحرار الشام" التي تعتبر أن تركيا من أبرز حلفاء "الثورة".
وفي حين تشير هذه المصادر إلى أن الفصائل المنضوية في "تحرير الشام" لم تكن متوافقة على المعارك الأخيرة التي دارت مع "أحرار الشام"، حيث تتحدث عن إختلاف في المواقف، توضح أن "فتح الشام" بزعامة أبو محمد الجولاني هي التي كانت تقف بشكل أساسي وراء تلك المعركة، وتشدد على أن الحركة كانت جاهزة للتصدي لأي هجوم عليها، وهذا الأمر كان واضحاً في جميع المواقف التي صدرت عنها، والتي ذهبت إلى حد ما وصف ما تقوم به الهيئة بـ"البغي".
بالتزامن، تشير المصادر المطلعة إلى الطرح الذي كانت قد كشفت عنه الحركة، ضمن سلسلة التحولات التي تقوم بها، بالنسبة إلى التجهيز لطرح مشروع إدارة موحدة في الشمال السوري، وتلفت إلى أن هذا الأمر قد يعجل في المواجهة المنتظرة منذ أشهر طويلة بين الجانبين.
وترى أن "أحرار الشام" تسعى على ما يبدو للسيطرة على المناطق الحدودية مع تركيا، في حين أن "تحرير الشام" تسعى إلى عرقلة هذا الأمر بأي ثمن.
في المحصلة، لا تأتي الصدامات المتكررة بين الجانبين في إطار الخلافات العادية بين فصائل المعارضة السورية، بل هي تشير إلى شكل المواجهة الكبرى التي ستقع في نهاية المطاف، في سياق السعي التركي إلى تعزيز نفوذه على حساب "تحرير الشام" المُصنفة إرهابية.